اللغة العربية لها لهجات لا حصر لها وهذه الحقيقة تأخذ بعض الناس اعتبار الفصحى كلغة تفاهم بين اللهجات، ويذهب الآخرون إلى القول بإنّ الفصحى توحّد والعاميّة تفرّق. ولكنّه هل هناك تبرير لهذا الرأي؟
بادئ ذي بدء لا بدّ من الاعتراف بقدرة الفصحى للتوحيد في العالم العربي الذي يتّسم بكثرة لهجاته. وهي بمثابة لغة تفاهم تسهّل التجارة والدبلوماسية وسائر الأنشطة الأساسيّة. وذلك ناهيك عن الحقيقة أنّ الفصحى هي اللغة الطقوسيّة لبلايين المسلمين حول العالم. من هنا لا يمكن لمنصف أن يرفض على الفور فائدة الفصحى
مع ذلك لا تثبت الحجج المذكورة أعلاه – أي أنّ الفصحى لغة تفاهم بين اللهجات – أنّ الفصحى فعلاً لغة موحّدة. وقد يحقّ لنا القول إنّ الفصحى تبدو كأنّها لغة الأدبّاء والمثقّفين أكثر مما هي لغة توحّد كل العرب. فمن جهة ليست الفصحى لغة أم ولذلك يتطّلب إتقانها سنوات الدراسة. ومن جهة أخرى معدل معرفة القراءة والكتابة في الدول العربية يتراوح من ٦٠% في السودان إلى ٩٨.٢٪ في الأردن. بناءً على ذلك هل من الصائب القول حقاً إنّ الفصحى لغة موحّدة؟
فضلاً عن ذلك فمن غير الصحيح القول إنّ كل اللهجات العربية غير مفهومة بشكل متبادل. تشارك لهجات مناطق قريبة عن بعضها قواسم مشتركة تمكّن التواصل بلا صعوبات. علاوةً على ذلك لا نستطيع التغاضي عن الحقيقة أنّ بعض اللهجات المعيّنية يصبح أوسع الانتشار وأكثر مفهومة بفضل وسائل الإعلام. على سبيل المثال عدد متزايد من الناس يفهمون اللهجة المصريّة بسبب الإخراج الإعلامية الهائلة المصرية وتوزيعها عبر العالم العربي. هذا يشير إلى أنّ الفصحى ليس التي تستطيع التوحيد فحسب، بل اللهجات أيضاً
خلاصة القول فإنّنا لا نستطيع تجاهل فائدة الفصحى كلغة تفاهم في بعض السياقات مثل التواصل الدولي. لكن لا يهدف هذا إلى القول بأنّ العاميّة تفرّق الناس. وإذا فرضنا جدلاً أنّ كل العرب تكلّموا بالفصحى فقط، خسرنا التنوّع اللغويّ للغة العربية. كما قال ابن العربي: “الوحدة في الكثرة والكثرة في الوحدة” وينبغي تطبيق هذه الفكرة على اللغة العربية